بعد أسبوعٍ حافلٍ بالتقلبات، يتأهب صناع القرار في "وول ستريت" لمزيد من الفوضى، إذ يواجه عمالقة المال الذين دعموا دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض عبر الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تداعيات حربه التجارية العالمية.
وبينما أمضى عمالقة "وول ستريت" عطلة نهاية الأسبوع في تقييم أضرار موجة البيع الكبيرة التي شهدها الأسبوع الماضي، وأدت إلى محو نحو 6.6 تريليونات دولار من قيمة الأسهم يومَي الخميس والجمعة، فإنهم على موعد مع أيام عصيبة أخرى. ولم تشهد "وول ستريت" أي هدوء يُذكر خلال عطلة نهاية الأسبوع، إذ سادها الكثير من الغضب والقلق والإحباط والخوف؛ غضب من ترامب لفرضه المتهوّر والفوضوي للرسوم الجمركية، الذي أدى إلى خسارة تريليونات الدولارات من قيمة سوق الأسهم في يومَين، وقلق بشأن وضع قطاع الاستثمار الخاص وصناديق الاستثمار الضخمة الأخرى ذات الاستثمارات العالمية، وساد الإحباط بين نخبة "وول ستريت" لعجزهم المفاجئ عن التأثير على الرئيس ومستشاريه، وخوف مما قد يأتي لاحقاً.
وقامت صناديق التحوّط بحصر خسائرها، فيما مزّق المصرفيون والمحامون جداول أعمالهم المتناثرة أصلاً لعقد الصفقات، مُعتقدين أن أي رئيس تنفيذي لن يُخاطر باندماج كبير أو طرح عام قريباً. ودرست البنوك الكبرى سيناريوهات طوارئ لتخمين ما إذا كان أحد عملائها سيتعثر في ظل الآثار المتتالية لحرب تجارية دولية. وفي أحاديث مع صحيفة نيويورك تايمز خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال مصرفيون ومديرون تنفيذيون ومتداولون إنهم شعروا بذكريات الأزمة المالية العالمية 2007-2008، تلك الأزمة التي أطاحت عدداً من عمالقة "وول ستريت".
وقد طلبت البنوك من عملاء التداول إيداع أموال إضافية إذا كانوا يرغبون في الاستمرار في اقتراض الأموال للتداول، وقال ران تشو، مدير صندوق تحوّط في شركة "إلكترون كابيتال" في نيويورك، الذي ألغى خطط عطلة نهاية الأسبوع للجلوس في مكتبه في مانهاتن وقراءة مصادر الأخبار الصينية للاطلاع على خطط الصين، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز: "الوضع يُشبه بالتأكيد عام 2008".
ما يُميّز هذه الأزمة هو أنه بدلاً من الاعتماد على الحكومة للمساعدة في لملمة شتاتها، لا يرى القطاع المالي سوى أمل ضئيل في إنقاذ فوري. لقد مزّق البيت الأبيض النظام العالمي القائم على الترابط، وأصبحت الولايات المتحدة موضع شك.
وقال مايك إدواردز، مستشار مستثمر خاص، والذي أمضى عطلة نهاية الأسبوع في مكالمات مع مستثمرين آخرين، بدءاً من وقت متأخر من يوم الجمعة: "الألم من صنع يد ترامب".
لأجيال، حظيت "وول ستريت" بدور استشاري لقادة كلا الحزبَين السياسيَين الرئيسيين في الولايات المتحدة الديمقراطي والجمهوري، وكان هناك أمل في أنّ تعيين سكوت بيسنت، مدير صندوق التحوط والديمقراطي السابق، وزيراً للخزانة في عهد ترامب، يعني أن الصناعة لديها صديق قريب من المكتب البيضاوي، لكن بيسنت تجاهل هذه الاضطرابات، وقال في برنامج "واجه الصحافة" على قناة "إن بي سي" يوم الأحد: "السوق يقلّل باستمرار من شأن دونالد ترامب".
لكن حالة التخبط وعدم القدرة على التوقع أصابت الكثيرين بالقلق، وقال مديرو استثمار إنهم تلقوا مكالمات هاتفية من شركات كبرى مستعدة لدفع رسوم باهظة للحصول على نصائح حول كيفية المضي قدماً. وفي بنك لازارد، كانت الرسالة الموجهة للموظفين هي أن يكونوا متاحين للعملاء لكن ليس لإبداء رأيهم حول ما سيحدث لاحقاً، نظراً لعدم اليقين الهائل في الوقت الحالي.
وبينما لم يجر تحديد العمق الحقيقي للتأثير بعد، يُقدّر "بنك أوف أميركا" أن أرباح الشركات المدرجة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" قد تنخفض بمقدار الثلث إذا فرضت الدول الخاضعة لرسوم ترامب رسوماً انتقامية، لكن هذه التقييمات المروعة قد تتغيّر إذا بدأت الدول في إبرام اتفاقيات مع البيت الأبيض من شأنها خفض الرسوم.
وحتى قبل الإعلان عن الرسوم الجمركية الأخيرة، انخفض عقد الصفقات الأميركية في الربع الأول بنسبة 14% مقارنة بالعام الماضي، وفقًا لشركة LSEG Data & Analytics. وفي خضم انهيار الأسهم الأسبوع الماضي، جرى سحب أو إيقاف بعض الطروحات العامة المرتقبة بشدة، التي كان المصرفيون يأملون أن تُمهد الطريق لإدراجات أخرى، بما في ذلك طروحات شركة المدفوعات العملاقة "كلارنا"، و"ستاب هب" شركة حجز التذاكر عبر الإنترنت.
وقال اثنان من المسؤولين التنفيذيين في مجال الأسهم الخاصة إنهما يتوقعان أن يُصعّب اضطراب السوق وتدهور العلاقات العالمية على الشركات الخاصة مثل شركتيهما جمع الأموال، ما يُفاقم التحديات التي يواجهانها بالفعل، إذ صعّب تضاؤل سوق الصفقات إعادة السيولة إلى مستثمريها، وأضافا أنّ الضغوط على هذه الشركات ستزداد مع بدء الشركات التي تستثمر فيها بالشعور بتأثير الرسوم الجمركية، وانخفضت أسهم شركتَي "أبولو" و"كي كي آر" بأكثر من 20% يومي الخميس والجمعة الماضيين.
ووصف أحد محامِي الصفقات البارزين نفسه بأنه "مذهول" وهو يرى مدى انخفاض أسعار أسهم عملائه، ولخّص أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" الإحباط من ترامب قائلاً: "يجب على أحدهم إيقافه".
Clik here to view.
